وتأتي
قصائد الديوان لتضع الحروف على نقاط الصبر والمكابرة
والإقدام على أمل، وهذه السطور الشعرية تعكس الفجيعة
والوجيعة، وتحتضن الوديعة، وتنزلها منزلة النقطة أسفل
النهر درّةً لترسب، وترفع النهر إلى أعلى ما يتخيل السباح
الغريق! فهو لا يصرخ اختناقاً تحت الماء بل يكتم أنفاسه
ويلوح بيديه للبحارة الحزانى، مشيراً بأن هناك درة اسمها
القدس، ويقف عملاقاً حاملاً منجل الحصاد في وجه الجفاف،
كأنه يمثل نفسه دون ربعه حاصداً للريح، والأهم أنه لا
يرتمي في وجه العاصفة، بل يتلقفها مشرعاً ذراعيه ليحصدها،
وهو في استعارة هذين البيتين يحتل الماء واليابسة، ويكوّن
للناس أرضهم ونهرهم وبحرهم:
وَالموْجُ أَرْكَبُهُ، وَالصَّخْرُ أَحـْرُثُهُ،
|
وَالرّيحُ أحْصُدها، لا شـَيْءَ يَثْنيني
|
القـُدسُ عَاصِمَتي، والعـَوْدُ أُمْنِيَتي
|
أَشْواقُـها لِـيَ تَسْري فـي شَرايِيني
|
وهو لا يستجير ألماً وجرحاً غريباً
عارياً،
بل يجير الباحثين عن مأوى ومبيت، ويغطيهم بدمع الأرض التي
ودعت فلذات كبدها واستدارت تعد لهم الدعاء في الصلاة
انتظاراً
للرجوع! ولا يستغيث شتاتاً
وغربة، بل يمضي إلى قدس الدنيا مآلاً
وهو واحد من فلذات كبد القدس! وهو ابن نابلس الأبية
المتوردة بجبال النار وقدح شرارات الثورة في صلب فلسطين
الجبارة الصبارة! وهو المهندس التقني والوزير التربوي،
وصاحب المكانة في الأردن الذي أخلص لــه وجبل رمال الطريق
خطواً عليها يعبّدها ويقيمها للأجيال، فلا تميد، ويشق فوقها
كلما تحركت تحت أقدام أبنائها جسوراً معلقة بالعلم والتعليم، والانتماء للرمل والبحر وملح
الوطن المسكون بالمراكب الدوارة على اليابسة، ورفض
الاحتلال بكل أشكاله، ومن ثم الإنتفاض العظيم رغم الظلم
الأسطوري:
مـنْ جِبـالِ النّارِ هـذا، ذاكَ مـنْ يافا، وهـذا مـنْ
صَفَدْ |
وَخـليــلُ اللهِ يَفـْـدي، لِلتَّحـدّي والتَّصَـدّي
قــد نـَهَـضْ |
وَالقِطاعُ الحُرُّ يَغْلي، مثلَ أهلي، عِيشـةَ
القَهْرِ رَفَضْ |
ظَلموهـُمْ، شـَرَّدوهُـمْ، قَتَّلوهُـمْ، وَلـِذا
الكـُلُّ انـْـتَفـَضْ
|
والحقيقية أني قرأت منذر المصري قبل خمس عشرة سنة، وأفلتت
مني قصائده الموجعة نحو القدس وانطلقت من عقالها مخترقة
الضلوع! ولم تفارقني طوال متابعاتي لقصادئه المتوردة
بالجديد ابتسامة الباحث عن صور الشهداء واللاحق لهم بنشاط
صبي يرجم الشياطين بالحجارة:
بَــلْ نَقْـتَفي أثــرَ الشّـَهيـدِ فــَلا تَطـيّـُرَ
أو صَـفــَرْ |
حـَمـَلَ الـحـِجـارةَ لـلـغـُزاةِ يَصُبُّهـا مـِـثـلَ
المـَطَـرْ |
بـِيَـدِ الـبـَراءَةِ خـالـَهـا لــَمْ تــُبــقِ شَـيـئــاً
أو تــَذَرْ |
صُــوَرُ الشَّهيدِ على الجـدارِ وفي القُلوبِ لَهُ
أثـَرْ |
غُصْنٌ مِنَ الزَّيتونِ فـي
ٱليُسْرى
وَفي اليُمْنى حجـَرْ
|
الصفحة
التالية |