الصفحة الرئيسية
 

عن الشاعر
 

إهداء


ديوان القدس
 

 قصائد الأطفال


قصتان من المجتمع


 روضة الشعر


مسك الختام


قصائد أخرى 

 

 

 ولن أنسى قصائده التي كان يقرأها لنا كلما اجتمع عارفو قيمة الشعر، في السنوات التي احتلت جهده ووقته في مناصبه الرسمية، حيث لم تنسه رونقَ الكلمة الألقة والمرقرقة بروح المبدع الذي لا تلهيه مناصب الدنيا عن هديل الكلمة والموقف، وعن تأثير القصيدة في الروح الظمأى! وطلت قصائده تحوم بكلماتها وصورها المؤرقة فوق أوراقي بإسهاب عز مثيله حال زيارة الشعر للشعر! وحال هبوط ملاك الشعر على الكلام، فيصبح دمعاً مموسقاً يتراءى في خيال الناس كلهم، وخصوصاً حينما يصب عينيه إبصاراً للغد الآتي مع الأجيال التي ستشارك برسم أبعاد الحياة طــولاً وعرضاً!  

           بـدونِ الـقـُدسِ مِثلي مِثْـلُ جِسْـمٍ  بِـلا رُوحٍ خَـــواءٌ في خَواءِ
           بـدونِ الـقـُدسِ مـأْوانــا جَحـيــمٌ ولـَوْ دِنـّـَا بــِديــنِ الأَنـبـِـيــَاءِ    
           غـَداً يُمْسِـي لــَنـا حـَـوْلٌ وَطَـوْلٌ       وَنـُدْلـي دَلْـونـَا بــَيـْنَ الــدِّلاءِ

إن عالم المبدع لا يتوقف عند محطة أو أرضية يقف عليها، فيخلق فيها من عوامل جذبه ما يملأ حياته وحياة غيره ويغطي ولعه بالعطاء، ويجعل لها مركزاً ومعنىً! وكذلك فإن عالم العطاء لا يمكن لــه أن يتخصص بمد اليد المملوءة بالحب والخلق والإبداع نحو فضاء دون فضاء! ولكنه يعمر الفضاءات كلها بحضوره المحوم كالطيور الأنيسة الرائعة اللون والصوت والرفرفة، ويزف مكنوزاتها للجميع، تماماً مثل صاحب القلب الكبير والنظرة الثاقبة المنبثقة من رؤية القلب هذا، لا يتوانى عن إفشاء السلام والتحية للناس والحجر والطير والتراب وشجر الأرض، بأسلوب يتضح فيه التحرر من قيود الشكل والهيئة! فيهز رأسه أمام شجرة رائعة ويحييها وربما يتحدث إليها كمن يتحدث لحبيب دون أن يلتفت للمتسائلين، وربما يمسك حجراً من حجارة وطنه ويحتضنه بين كفيه ويلوذ بتقبيله كلما جُنّ به الحنين للأرض والوطن! وهو لا يحسب حساباً للعيون المراقبة التي تسترق النظر إليه بتعجب وتساؤل! لأنه يحقق المآرب الجمالية لروحه وينقلها لأرواح الأزمنة:

                  قالَ الصَّديقُ بِلَوْعةٍ             كَثـُرَ النـِّداءُ وَلا مُجيبْ 
                  فَأجَبْتَهُ صَبْراً أخي         فـَغـداً لنـاظـِرِهِ قـَريـبْ       

وكذلك يبشر الصابرين الملوعين بالغد الأجمل مهما هيمن الظلام! كما أن عالم المبدع هو مزيج من الفن والعمل نحو الطلوع إلى منحنيات الحياة، وإذا كان مبدعاً يرفل بالحرية ويمجد الكرامة الإنسانية، فهو يستطيع هندسة محطاته وأرضياته، وإذا كان مطلاً على ظلمات العصور المعتمة ودياجيرها خلال هيئته الوظيفية، فإنه يعمل إبداعه للتخفيف من غثيان الظلام ويزين الصدى وينضم إلى الثائرين على الظلام، فيشعل النور ويكون في طليعة المواجهين لقرص الشمس الملتهب!

                                                                     الصفحة التالية