الألم
والأمل
قرأت
قصائد ديوان القدس الذي انبعث من عالم الحزن والألم في
وجدان الدكتور منذر المصري! وقرأت السطور التي تضمنت اثنين
وأربعين نصًّا، حملت الوطن والسياسة والانتفاضة
الفلسطينية، كما حملت لمخاضها القادم شعرَ الطفولة الذي لم
يتخل عنه مربياً، كما تضمن الديوان الاتجاه الاجتماعي في
روضة الشعر، وأمسك الختام بخاتمة المطاف التي اختصرت
أوجاعه وأحلامه:
بِخاتِمَةِ الَمطَـافِ أَرى
بـَصـيصـاً |
وَنـورُ الـفَجْـرِ يَـبـزُغُ في سَمَـائـي
|
وَأَرْضُ القـُدْسِ مَادَتْ وَاسْتَغاثَتْ |
فَتَـنْـتـَفِضُ الــكَرامَـةُ فـي دِمـَائـــي
|
وَطِفلُ الصَّخْرِ يَرْمي وَهـوَ يَحْبُو |
وَيُــقـْـبِــلُ هــادِراً لـــبـَّى نــِدَائـــي
|
وكأني بهذه القصائد ترسم شخصيةً قويةً،
حادة الملامح، صارمة الجبين، مرفوعة الجرح على راية يتوجها
ذلك الطفل البطل الذي هز العالم الجامد بنزيف صدره العاري،
فتأتي تلك القصائد كالرقص فوق الجراح، كالطائر الجريح الذي
يرقص لحلاوة روحه.
فالدكتور الشاعر منذر المصري خلق عالماً له
شخصيته بجدية، ولكنه حرك هذه الجدية بالسخرية من العالم
المتفرج، وقد حدّد علاقته الأزلية بالجراح من خلال ربط
نزيف أهله في القدس الشريف بشرف الأمة العربية، كما ربط
الأرض والقدس والإنسان العربي في قبلة واحدة
تجمعت في جرح سيبرأ بفضل
تضحيات أطهر الخلق فيها (الشهداء)، الذين من أجلهم جاء في
قصيدته "الجرح ينزف":
فـَلْـيشْهَــدِ اللهُ أَنـــَّا أُمـّـَةٌ خــَلـَدَتْ
|
مِنْ مَطْلَعِ الكَوْنِ حَتّى مُنْتَهى الأَزَلِ
|
أَمــّا الَّذينَ اسْتَكانـوا أَو بَغَوْا فَلَهُمْ
|
ُبؤْسُ المَصيرِ وَلوْ فَرُّوا إِلى زحـل |
ومن خلال عموم الوله
العربي بفلسطين، ودون إقدام القادرين على حماية الشرف
الرفيع من الأذى وعلى تضميد هذه الجراح التاريخية المتعمقة
أخاديدَ في الأرض، فقد هجر العرب الأحرار هذا الجرح الغائر
في صدر العروبة والإسلام، يلوثه الأدعياء الذين غرسهم
العالم برجسهم في أطهر بقعة في الدنيا، ثم شتت أصحاب
الطهارة والحق وأهل الكرامة المقدسية! لكن الأمل المقرون
بالعمل يبقى راسخاً في مخيلة الشاعر، فيقول في قصيدته "إلى
مدينة السلام الدّامي:
وَغـَـداً يـُلـَمُّ الشَّمـْلُ فـَوْقَ
تــُرابِها |
حــاراتـُهـا وَالمَسْجـِدُ الأَقْصى لِيَ |
لا يَسْلَمُ الشَّرَفُ الرَّفيعُ مِنَ الأَذى |
حَتـّى نُطَهِّرَ كــُلَّ رِجْـسِ الأَدْعِـيـَا
|
الصفحة التالية |