الكاتب:
د.
مهند
مبيضين
جريدة:الغد
منذر المصري في أوان الرحيل
الصورة
ستبقى في المدخل القديم لوزارة التربية مع الكبار،
هناك بدأت، يوم كانت وزارة المعارف، ثم إذا هي بعد
التربية والتعليم مستودع لرجالات الدولة وسر أسرار
تقدم هذا الوطن، الذي يعتز بك وبسيرتك المعطرة
بالوفاء والبذل.
هناك في وزارة
التربية في العبدلي الذي تعرفه جيداً قبل أن
يتغير. تقدم الشيب فيك بسبب نهارات التربية
الطويلة المفعمة بالعطاء، فمنذ أواسط السبعينيات
وحتى التسعينيات لم تكن صباحاتك تخلو من معلم أو
موظف قادم من البادية أو القرى أو المخيمات، ممن
يعرضون حوائجهم في عمان على أمل أن تكون الإجراءات
أسرع من الأطراف، آنذاك كانت وزارة التربية وما
تزال تسير بقوة قلب وإيمان وعطاء من أقسمت أرواحهم
على أن تعانق كل يوم أصول الشجرة الأردنية الراسخة
في مدارس السلط والكرك وكلية الحسين وحسن كامل
الصباح في إربد.
هناك في العبدلي
"مقر الوزارة " كنت تعد قصائدك المثقلة بالحزن على
القدس، وهناك في العبدلي سكنت روحك طمأنينة
المؤمن، وأنت تمر كل صباح من أمام قيادة الجيش
الذي بادل التربية والتعليم وقاسمها صناعة الحاضر
والمستقبل الأردني، هناك أيضا تذكر وذكرى للكبار
أمثال الشيخ الشنقيطي وذوقان الهنداوي وعبد الوهاب
المجالي وحكمت الساكت ومحمد نوري شفيق وآخرين.
هناك في المدارس
التي خبرتها وخبرتك؛ وزيرا وأمينا للتربية، وعرفت
حاجاتها، كنت تؤمن بأن حرية الأردنيين تقف على
نوافذ المدارس، فلم تكن مجرد أمين عام يتابع الورق
اليومي، أو وزير يحدث التنقلات بلا حسابات في
مصائر الخلق، بل كنت مربياً ومعلماً وإدارياً من
طراز ألفه هذا الوطن وألفه الأردنيون الذين إن لم
يألفوا أحدا يكون عصياً على الفهم ويقع الصدام.
ألفُكَ الأردن يا
أبا واصف، لأنك ببساطة منه، تعرف وجع أبنائه
وحاجاتهم، لذلك أتاحت لك هذه الألفة أن تكون يقظاً
فتمتلئ روحك طمأنينة فيدب السكون فيك، فتأخذ
الأمور والناس بالرفق واللين.
أبا واصف؛ في
مرايا التربية والتعليم نظرنا، لم نجد عنك إلا
ظلال الود والحب والصبر، كنت هادئاً إلى حدّ
الاتزان، وهناك في التربية وضعت لمساتك، وكتبت في
دفاترها اسطرا خاصة لك وبأسلوبك. أما وقد ودعت هذه
الدنيا، فستبقى سيرتك حاضرة إدارياً وتربوياً
ووزيراً ونقابياً لم يكن يحب الضوء ليبهر الناس
بحاله وأفكاره، بل كان يبتعد كثيراً إلى حدّ أن
الأضواء لم تكن تناسب هدوءه وشخصيته الثقيلة
العصية على الانبهار فيما ينبهر به صغار السياسيين
وكبار الموظفين.
منذر المصري كان
معطاء لآخر أيامه، أدباً وعلماً وأفكاراً، ولا شك
بأن مجلس التربية والتعليم سيفتقده كما أسرته التي
عاش بينها أبا ومربياً ووالداً وصديقاً وشاعراً،
فرحمك الله يا أبا واصف.
|